رسالة الفصح 2023- نثر بذور الرجاء
2023-04-03 09:11:46
أصدقائي الأعزاء، نحن أمام قبر يسوع، المكان الذي وضِعَ فيه جسده الميت ليلة الجمعة. هنا نحن الآن داخل أسوار المدينة القديمة في القدس، أمام كنيسة القيامة. عندما تم الحكم على يسوع بالموت، كنا خارج الأسوار، وكانت هناك منطقة قريبة من جبل الجمجمة، الجلجلة، حيث كان يتم قتل الأشخاص المُحكوم عليهم بالإعدام، حيث صُلب يسوع أيضاً.
بعد النزول من جبل الجلجلة، كانت هناك مساحة مزروعة، حديقة صغيرة ربما كانت تزرع فيها بعض أشجار الزيتون والليمون وبعض الكروم وبعض اللوز.
على حافة الحديقة كان هناك مقلع حجارة، إلا أنه الآن مهجور ويُستخدَم للدفن. هذا هو المكان ، حيث نحن متواجدون الآن، الذي اشترى به يوسف الرامي قبرا جديدا.
هنا وُضع جسد يسوع، ممسوحًا وملفوفًا على عجل، ملفوفًا بكفن جديد، وقد وضِعَ منديل على وجهه. عندما حل الليل، كان لا بد من تعليق كل الأنشطة، لأن السبت قد اقترب. كان يجب أن تمر ليلة أخرى قبل العودة إلى هنا لبكائه واكمال الدفن.
عندما أتيت لزيارة هذا القبر الفارغ ووقفت هنا للصلاة، تساءلت أكثر من مرة: ماذا حدث في الليلة الواقعة بين يوم السبت المقدس ويوم أحد عيد الفصح؟ كيف حدثت قيامة المسيح والتي تُعتَبَرُ أساس إيماننا ورجائنا؟
أتخيل أحلك ساعة من ظلام الليل، واللحظة التي يُجرَحُ فيها الظلام بأول شعاع شمسي يظهر في الأفق. أتخيل الساعة الأكثر هدوءاً وبرودة من الليل، عندما تسمع صوت أنفاس طفل، ويتراكم الندى على العشب والأشجار.
بنفس الوقت متخيلاً أن كل شيء يتغير في لحظة كالبرق. إذ تنحل فجأة الأربطة التي كانت تربط جسد يسوع بالكفن ليتدلى على الحجر ليصبح من دون سابق إنذار فارغاً من محتوياته. ليبق المنديل شبه معلّق ليذكرنا بأنه كان يغطي وجهاً..
في لحظة النور تلك، توجد بداية خلق جديد وعالم جديد وإنسانية جديدة. في ذات لحظة النور تلك، يَحمل جسد المسيح القائم إلى الأبد في الله جزءًا وبذرة من البشرية الجديدة. أقف هنا، مدركاً بطريقة غامضة أن هذا النور يغمرني أيضًا وأن حياتي وجسدي قد تجددا الآن. أدرك أيضاً أن هذا القبر هو باب الحياة لأن يسوع هنا دخل هاوية الموت محولاً إياه إلى جسر الحياة في الله.
أعلم جيداً أن العالم الذي نعيش فيه اليوم، لا يزال محاطاً بقوى الشر والعنف والكراهية والموت. أرى ذلك في الحروب والظلم، وعدم المساواة الاقتصادية، وفي سخرية اللامبالاة تجاه الكوارث الطبيعية، التي لا تزال تسبب الموت واليأس. أرى ذلك في الأيديولوجيات التي تبرر التمييز، والاستخدام الوحشي للعنف، ومحو كرامة الإنسان، وإبادة شعوب بأكملها. أراها في الكراهية التي مازالت تُزرَعُ بسهولة بكلتا اليدين في مجرى التاريخ وإنسانيتنا، حتى هنا في الأرض المقدسة.
ومع ذلك، في وميض النور هذا الذي يشير إلى الانتقال من ليل العالم إلى عالم جديد، أرى أن كل هذا قد تم الإنتصار عليه حقاً به. أشعر بالأمل يولد من جديد في القلب، أمل أقوى من أي دليل معاكس، رجاء أقوى من التجربة القاسية للشر.
من القدس، اتمنى لكم عيد فصح مجيد! ليمنحكم الرب القائم رجاءً جديداً لكل واحد منكم، لينر تلك الليالي التي تنشر الظلمة في قلوبكم مانحاً إياكم القدرة لتنثروا بذور الرجاء.
المسيح قام، حقاً قام! فصح مجيد.
شاهد ايضا
"الشهادة في المسيحية: مسيرة إيمان نحو الحياة الأبدية"
بمناسبة إعلان قداسة شهداء دمشق، الذين ضحوا بحياتهم شهادة للحق والإيمان، نظمت حراسة الأراضي المقدسة في السادس عشر من تشرين الثاني ندوة في دير المخلص بالقدس، تحمل عنوان "الاستشهاد، علامة مسيرة في الإيمان". وتناولت الندوة أربعة محاور: الأول الشهادة في الإيمان المسيحي بحسب الكتاب المقدس، والثاني آباء الكنيسة ومفهوم الاستشهاد في المسيحية ، والثالث قصة شهداء دمشق، الأب ايمانويل رويز ورفاقه ، والرابع الشهادة في الروحانيات الفرنسيكانية والتحديات المعاصرة للمسيحيين في الأرض المقدسة .