مكان تجلي الرب يسوع

2019-08-05 12:29:36
يشمخ جبل طابور وحده وسط سهل مرج ابن عامر على ارتفاع 588 مترا عن سطح البحر ويبعد 9 كيلومترات إلى الجنوب الشرقي من الناصرة و19 كم جنوب غرب بحيرة طبريا. تبرز عظمته عند النظر إليه من الأسفل، هكذا بدا في عيون داود صاحب المزامير الذي وضعه في مستوى جبل حرمون، وقال فيهما: لاسمك تَرنّم طابورُ وحرمون" (مز 88: 13) إنه جبل مميز في الأرض المقدسة نظرا لشكله وخصائصه العامة، ونباتاته وروعة مناظره الطبيعية. إخوتي وأخواتي الأعزاء، أنتم اليوم ضيوفنا، لنصعد معا جبل طابور حيث وقعت عدة أحداث هامة في تاريخ الخلاص، ولكنها تصغر أمام الحدث العظيم الذي ترويه الأناجيل. الأب برونو فاريانو، الفرنسيسكاني رئيس دير البشارة في الناصرة أهلا بكم في أرض الميعاد، أرض الكتاب المقدس. أهلا بكم في أرض الخلاص. نحن على سفح جبل طابور، هذا المكان المتميز، والجميل. وبالرغم من كونه جبلا منعزلا إلا أن الناس اعتبروه مكانا مقدسا منذ القِدم. وتحتفظ الصخرة أسفل أرضية الكنيسة بآثارِ مكانٍ لعبادة كنعانية. وورد في سفر القضاة ذكرٌ لجبل طابور حيث وقعت أحداث دبورة وباراق في الحرب ضد سيسَرا. وكان الإسرائيليون مجتمعين على الجبل فنزلوا وقضوا على جيوش سيسَرا وقتلوه. ويذكر المؤرخ يوسف فلافيوس عن تقليد مسيحي هنا لكنيسة بيزنطية. والتواجد المسيحي اليوم يظهر من خلال الرهبان الفرنسيسكان والكنيسة التي بناها المهندس الإيطالي برلوتزي عام 1924. لهذا أيها الأخوة والأخوات، نحن مدعوون لنصعد جبل طابور، ونختبر جمال الله ونوره. وسوف يقودنا نصُ إنجيل القديس متى. في الفصل السابع عشر، من الآية الأولى وما يليها: "بَعدَ سِتَّةِ أَيَّام مَضى يسوعُ بِبُطرسَ ويَعقوبَ وأَخيه يوحَنَّا، فانفَردَ بِهِم على جبل عالٍ وتجلى بمرأى منهم". وكلمة تجلى باليونانية تعني تغير، أو تحول، ويدل الفعل على تحول روحي. إذا، أخوتي وأخواتي، الذين تتابعونني، لنصعد... لنصعد جبل طابور ونختبر جمال يسوع بطريقة ملموسة أكثر، لأن جبل طابور يعتبر مدرسة للاهوت، وهو أكثر من مجرد حدثٍ. وبالتالي، نحن مدعوون لكي نصعد الجبل. فصعودُ الجبل يرتبط دائما بالاقتراب من الله والاستعداد لسماع أقواله. تنحني الطريق على جانبي الجبل ونجد حولها أشجار البلوط والخروب، والبطم والصنوبر. وقمة الجبل تتكون من مسطح مساحته أقل من نصف كيلو متر مربع. وباب الريح الذي يدل حتى اليوم على المدخل لقمة جبل طابور، هو المدخل الوحيد للقلعة العظيمة الإسلامية التي بنيت في القرن الثالث عشر. "فأشعَ وجهُه كالشَّمس، وتلألأت ثيابُه كالنور" "وتلألأت ثيابه كالنور" نحن مدعوون على جبل طابور لكي يشع منا الجمال، ولنصبح منيرين مثله في جماله وروعته. "وإذا موسى وإيليا تراءيا لهم يُكلِّمانه" هذا أكثر من حدث تاريخي، جبل طابور هو مدرسة لاهوتية، لأن موسى وإيليا هما تمام الشريعة والأنبياء. وهذا الحدث هيأهُ العهد القديم. يطلب موسى من الله: "أرني وجهك". الله هو الذي يمر وموسى لا يستطيع أن يرى وجه الله. إيليا لا يسمع ولا يرى الله في الزلزلة والرعد، ولكن في السكون. لهذا، فإن حدث جبل طابور هو تتميم للعهد القديم، وللشريعة والأنبياء. خاطب بطرس يسوع قائلا: "يا رب، حسنٌ أن نكون هنا؟ فإن شئتَ، نصبتُ ههنا ثلاثَ خيام: واحدةٌ لك، وواحدٌة لموسى وواحدةٌ لإيليَّا". في الواقع، نجد في الكنيسة التي بناها برلوتزي عام 1924 ثلاثة هياكل، تُذكّر بالخيام الثلاث، ويتم إظهارها بالفسيفساء. هذه هي صورة جميلة لموسى وإيليا ويسوع وبطرس ويعقوب ويوحنا. يريد بطرس أن يظل ثابتا في الزمن. ليتأمل بهاء الله. فما أجمل أن نختبر حضور الرب، نتأمل جمال الله عندما ندع أنفسنا تدخل في حبه، في حضوره. "وبينما هو يتكلَّم، إذا غمامٌ نيّرٌ قد ظَلّلَهُم" غمامة نيّرة: يظهر التناقض هنا. غمامة-نيّرة. لماذا؟ لماذا لا يمكننا إدراك كل شيء، يبقى هناك حجاب للمعرفة. تلك الغمامة التي هي صورة الله، حيث لا يمكننا إدراك كل شيء، لا يمكننا فهم كل شيء. يبقى هناك جزء من السر غامضا عند التأمل في الحضور، التأمل في صورة الله. وإذا صوتٌ من الغمامِ يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت". نجد هنا إشارة ثانية لحضور الله: الأولى عند نهر الأردن، في مكان عماد يسوع. والثانية على هذا الجبل المقدس. فلَمَّا سَمِعَ التَّلاميذُ ذلك، سَقَطوا على وُجوهِهِم، وقدِ استَولى علَيهِم خَوفٌ شديد. فدنا يسوعُ ولمَسَهم وقالَ لَهم: «قوموا، لا تَخافوا». فَرفَعوا أَنظارَهم، فلَم يَرَوا إِلاَّ يسوعَ وحده. هنا نجد صورة جميلة في الكتاب المقدس: "رفعوا عيونهم". كل مرة تُرفع العيون في الكتاب المقدس يحدث شيء ما. عندما نظر إبراهيم إلى السماء، رفع عينيه، رأى النجوم، رأى نسله في الوعد. وموسى دعاه لله أن يرى من الشرق إلى الغرب أرض الميعاد. ويسوع قبل معجزة تكثير الخبز والسمكات رفع عينيه إلى السماء. نحن مدعوون لأن نرفع عيوننا، إخوتي وأخواتي. نريد جميعنا السلام، جميعنا نريد أياما أفضل. لكن علينا أن نتعلم أن نرفع عيوننا. يمتد النظر، من قمة الجبل، حتى طبريا العليا وحين تكون الرؤية صافية، يمتد حتى جبل حرمون، على الحدود الشمالية للبلاد. بعد عبور الباب الصغير الذي يحد من رؤية البحيرة المقدسة، بين نباتات الدفلى، تقودنا طريق صغيرة للكنيسة عبر أنقاض دير بندكتيني من عصر الصليبيين. هنا، بنى الصليبيون كنيسة وديرا ملاصقا لها، ونستطيع أن نرى آثاره، التي كُشِف عنها في نهاية القرن التاسع عشر، ومن بينها كنيسة الرهبان، وصالة اللقاء والطعام. بعد انقضاء العهد الصليبي، اضطر المسيحيون هجر الجبل لفترات طويلة. فقد أمر الظاهر بيبرس عام 1263 بهدم الكنيسة والأبنية جاعلا إياها أنقاضا. وكان عدد قليل من الحجاج قد صعدوا الجبل. كما صعد الرهبان الفرنسيسكان في الناصرة والقدس بين فترة وأخرى، فدفعوا أموالا لقاء إقامة القداس. بعد عدة قرون، وفي عام 1631 أهدى الأمير فخر الدين، منطقة الجبل، للرهبان الفرنسيسكان. وهكذا بدأت أعمال بناء الكنيسة وبناء نزلٍ للحجاج، الذي تديره اليوم مجموعة إيطالية تدعى "عالم (× إكس)". الكنيسة، التي صممها المهندس المعماري الشهير برلوتزي، شيدت عام 1924. على جانبي واجهة الكنيسة يعلو برجان للأجراس مكرسان لموسى وإيليا. الكنيسة من الداخل مكونة من ثلاثة أقسام متوازية مقسمة بأعمدة وأقواس ضخمة. هناك درج يقود إلى مغارة تحتل مساحة ثلث الكنيسة البيزنطية وكهوف صليبية أخرى. ويتألف المذبح من بقايا هيكل صليبي. إن مشهد التجلي نراه بفسيفساء كبيرة مركزية في صدر الكنيسة من الداخل. عشية الاحتفال بعيد التجلي، 5 آب، تضاء الكنيسة وتسمى ليلة جبل طابور، بحسب تقليد مسيحي قديم. العديد من المسيحيين يصعدون الجبل، حيث يقومون بنصب خيام في المنطقة الحرجية من الكنيسة ويقضون ليلتهم هناك. يصعد المؤمنون مسافة 20 كيلومترا، طيلة 4 ساعات على الأقدام. ويصلون في ساعات الفجر الأولى، فجر التجلي، وسط غمام الصباح الذي يذكرهم بغمام التجلي. وتمتلئ الكنيسة بالمؤمنين الوافدين من مختلف أرجاء الأرض المقدسة، والحجاج. ويترأس حارس الأرض المقدسة القداس الإلهي باللغتين العربية واللاتينية. بعد أن تأملنا محبة الله لنا، نحن مدعوون لأن ننزل من جبل طابور، لنعود إلى حياتنا اليومية، إلى عائلاتنا، إلى بيوتنا، إلى عملنا وأنا إلى رهبانيتي، التي تدعوني إلى الطاعة كراهب فرنسيسكاني، وبالتالي كل واحد مدعو للعودة إلى حياته اليومية ... بالتأكيد، بعد أن اختبرنا جمال الله، والتغيّر، وبالتالي القدرة، في حياتنا اليومية، نستطيع حمل هذه الخبرة، أي أن نكون قادرين كي نرى الأشياء بطريقة مختلفة، الصعوبات، المشاكل، "لا" كفشل، "لا" بالمظاهر التي تنتهي هناك، بل ب"نعم" للتغير مع الأمل. نتمنى لإخوتنا وأخواتنا، أن يكون جبلُ طابور، جبلَ الحياة، جبلَ محبة الله الرائع. فالصلاة، تساعدنا لكي نعيش حياتنا اليومية جيدا . ومن هنا، من جبل طابور، صلاتي لكم، صلاة لكل من في قلبه الرغبة للتغير، كي تروا الأشياء بمنظور آخر كمسيحيين. ليكن الربُ معكم. وبركةُ الرب القادر على كل شيء: الآب والإبن والروح القدس، تحل عليكم وتبقى معكم دائماً.
"الشهادة في المسيحية: مسيرة إيمان نحو الحياة الأبدية"

بمناسبة إعلان قداسة شهداء دمشق، الذين ضحوا بحياتهم شهادة للحق والإيمان، نظمت حراسة الأراضي المقدسة في السادس عشر من تشرين الثاني ندوة في دير المخلص بالقدس، تحمل عنوان "الاستشهاد، علامة مسيرة في الإيمان". وتناولت الندوة أربعة محاور: الأول الشهادة في الإيمان المسيحي بحسب الكتاب المقدس، والثاني آباء الكنيسة ومفهوم الاستشهاد في المسيحية ، والثالث قصة شهداء دمشق، الأب ايمانويل رويز ورفاقه ، والرابع الشهادة في الروحانيات الفرنسيكانية والتحديات المعاصرة للمسيحيين في الأرض المقدسة .